تعلق الناس بتلك الأماكن وبشخصية المعالج ، فأصبحت النظرة لهؤلاء المعالجين تتسم بالتقدير والإجلال والإكبار وقد تعدت ذلك في بعض الأحيان إلى التبرك والعياذ بالله ، ويمكن معالجة ذلك الأمر الخطير بالتوعية الشرعية لكل من يطرق باب الرقية والعلاج ، ولا بد من إيضاح أن الرقية من الأسباب الشرعية المباحة للشفاء بإذن الله تعالى ، وأن المعالج لا يملك من الأمر شيئا ، ولن يتأتى ذلك إلا بتعاون الجميع للوصول إلى هذا الهدف وتلك الغاية
2)- اهمال الحقوق الزوجية :
بعض المريضات أهملن وبشكل ملفت للنظر الحقوق الزوجية والحقوق المتعلقة بالبيت والأولاد وأصبح ارتياد هذه الأماكن شغلهم الشاغل بل قد تنقلوا من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر ، وقد أثر ذلك الأمر بشكل كبير على الأسرة الواحدة ، وهذا بطبيعته أدى للضياع والتشتت وتفتيت هذه الأسر ، فأهملت حقوق الزوجية وتربية الأبناء وهم فلذات الأكباد ، وكان الأجدى والأولى أن يرقي الإنسان نفسه وأهل بيته وهذا هو الفعل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقيته لنفسه وآل بيته وفعل عائشة - رضي الله عنها - كذلك ، وإن اضطر إلى الذهاب لمن يوثق في علمه ودينه فلا تثريب عليه ، وكل ذلك يحتاج لتقنين وضبط وفق قواعد وأسس شرعية محددة
3)- الوسوسة والوهم :
زرع الوسوسة والوهم في نفوس كثير من مرتادي تلك العيادات ، فأصبح الكل يعتقد أن به مس من الجن أو انتابه ضرب من ضروب السحر والكهانة ونحوه ، أو أصابته العين والحسد ، بل قد وصل الأمر في بعض أماكن الرقية الشرعية الجماعية الى ما يفوق الوصف والتصور خاصة بالنسبة لتصرفات بعض النساء ممن لا خلاق لهن فأصبح ارتياد هذه الأماكن بالنسبة اليهن مكانا للتمثيل والتهريج وقلة الأدب ، بل وصل الأمر في البعض لتصرفات وكلمات تخدش الحياء ، بل تعدى ذلك أحيانا للتفوه بكلمات كفرية ، وما أظن تلك الحالات إلا أنها تعاني من مشاكل أو أمراض نفسية أو اجتماعية أو أسرية وأرادت أن تفرغ تلك الطاقات المكبوتة في تلك الأماكن المفترض أن تكون أماكن علاج بالقرآن واستماع له وتفاعل مع آياته قولا وعملا ليكون شفاء لأمراض القلوب والأبدان ، ولا بد أن نعتقد جازمين بأن قدرة الجن والشياطين للوصول الى هذا الحد نادرة ، ومن هنا تبرز أهمية شخصية المعالج في التعامل مع المرضى ، وايقاف كل من تسول له نفسه العبث في تلك الأماكن وتشويه سمعتها ، وللأسف فإن بعض المعالجين قد أوصلوا بعض المرضى لمثل ذلك الأمر ، وأُذَكِّرُ كل من تظاهرت واحترفت مهنة التمثيل في تلك الأماكن بأن الله سبحانه وتعالى مضطلع لا تخفى عليه خافية ، وقد تبتلى تلك المسكينة بأحد الأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وحسد ونحوه ، وحينئذ تبكي بالدماء والدموع وعندها لا ينفع الندم والبكاء
ولن يستطيع المعالج القضاء على تلك الظاهرة الخطيرة إلا بزرع الإيمان واليقين في نفوس المرضى وترسيخ الثقة المطلقة بالله سبحانه ، وتوجيه المرضى على اختلاف أمراضهم للتقرب إلى الله بالطاعات والبعد عن المعاصي ، والتوجه إليه بالذكر والدعاء وطلب الشفاء
4)- تساهل بعض المعالجين في تعامله مع النساء :
تساهل بعض المعالجين في تعامله مع النساء ، وعدم الحرص في كثير من المسائل الشرعية المتعلقة بهن ، كاللباس الشرعي ، والخضوع في القول ، والتركيز على بعضهن دون البعض الآخر ، والسؤال عن بعض الحالات دون غيرها ، ونحو ذلك من أمور أخرى ، وقد تكلمت سابقا بإسهاب وتفصيل عن بعض تلك التجاوزات في كتابي بعنوان ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) ولا يمكن في هذه الحالة ضبط ذلك الأمر إلا بتوفر شروط أساسية أذكر منها :
أ)- توفر العلم الشرعي الذي يؤهل المعالج الوقوف على كافة تلك التجاوزات ، وإدراكه لمدى خطورتها من الناحية الشرعية
ب)- المراقبة والمتابعة المستمرة للمعالج وطريقته في الرقية والعلاج ، ولا يمكن تحقيق ذلك الهدف إلا بتكاتف الجهود بين المعالج والعلماء ومراكز الدعوة والإرشاد
ج)- التقوى ومخافة الله سبحانه وتعالى ، وإدراك أن المرأة من أشد وأعتى أسلحة الشيطان التي يشهرها في وجوه الرجال لإيقاعهم في حبائله والنيل منهم ، وقد أشارت لذلك المفهوم بعض النصوص القرآنية والحديثية
5)- المعصية وإضاعة الوقت :
أصبحت بعض العيادات مقرا ومركزا للقاءات والأحاديث الهامشية الجانبية ، فكثرت الغيبة والنميمة والاستهزاء والقذف والتشهير في الآخرين ، ونسي أو تناسى كثير ممن أقحم نفسه في هذه الأمور ، أن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل
ومن هنا كان الواجب الشرعي يحتم على المعالج أن يظهر لمرتادي تلك العيادات نعمة الصحة والعافية ، وأن تكون الغاية والهدف لمن يأتي لمثل تلك الأماكن الاستماع لكلام الله سبحانه وتعالى بتأمل وتدبر وخشوع والاستشفاء به ، والدعوة لإخوانه وأخواته بإزالة الغمة وتفريج الكربة
6)- التجارة والمزايدة :
أصبحت بعض العيادات مراكز للتجارة والمزايدة والتكسب ، وقد تكلمت بتفصيل وإسهاب عن هذه النقطة في الفصل الخاص بالعلاج تحت عنوان " القواعد والأسس الرئيسة في الرقية الشرعية " ولكني أعيد وأذكر بإخلاص النية وأن تكون الغاية والهدف من الرقية الشرعية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى باعتبار أنها أمر توقيفي تعبدي ، والأمور التوقيفية مبناها على التعبد كما أشار إلى ذلك المفهوم بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ولا بد للمعالج من اليقين التام بأن تفريج كربة مسلم عند الله سبحانه وتعالى خير من الدنيا وما فيها
7)- إفشاء أسرار المرضى من بعض مرتادي هذه العيادات :
وقد أدى ذلك لمفاسد اجتماعية عظيمة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى ، فالواجب يحتم على المعالج التنبيه والتحذير من ذلك الأسلوب ، وخطورته على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، حيث يولد نشر مثل تلك الأسرار الخاصة بالمرضى بين عامة المسلمين وخاصتهم لأحقاد وضغائن ومفاسد اجتماعية أخرى لا يعلم مداها وضررها إلا الله
8)- انتشار الأمراض النفسية :
أصبحت بعض تلك المقرات مدعاة لإحداث ونشوء أمراض نفسية لدى بعض المرضى نتيجة التخبط الحاصل في الوسائل والأساليب المنهجية التي يتبعها المعالج ، وكثير من الناس اليوم فقد الثقة ببعض المعالجين نتيجة الجهل والتخبط والضياع وقد أثر ذلك على الرقية الشرعية وأهلها ومن هنا نسمع بين الفينة والأخرى القذف والتشهير من أناس لا خلاق لهم ، اتخذوا هؤلاء الجهلة مطية لتمرير مثل تلك الأقوال
يقول الأستاذ علي بن محمد ياسين : ( وأما الرقية الجماعية فإن فيها من السلبيات ما يؤثر على إيجابياتها إن كان لها إيجابيات ، فمن تلك السلبيات :
1- اختلاط الحابل بالنابل ، الصحيح مع السقيم ، وما يحدث فيها من تأثيرات نفسية ، من خوف وإيحاءات وغيرها
2- خطورة تعرض السليم من الأمراض الروحية – المس والسحر - ، الذي يشعر بمعاناة نفسية
3- فضح المريض وهتك أسراره ، وكشف عورته أمام الناس
4- يلاحظ أن هذه الطريقة - القراءة الجماعية - قليلة النفع إذا قورنت بالقراءة الفردية ) ( مهلاً أيها الرقاة – باختصار - ص 48 ، 49 )
�و��)(��p� النحل – الآية 100 ) 0
2- ونسيان الإنسان ذكر ربه : وهو من أهم أسباب المس والصرع ، لأن خلو الجسد والقلب والعقل من الذكر يجعل من اتصف بذلك لقمة سائغة للشيطان وأعوانه ، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : ( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) ( سورة الحشر – الآية 19 ) ، ويقول سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( سورة الزخرف – الآية 36 ، 37 ) 0
3- والإفراط في الخلوة والوحدة الطويلة : من غير أن يفكر فيما يشغله ، ويعود عليه بالنفع فيملأ عليه خلوته ، ومن غير أن يخطر على باله ذكر اسم الله تعالى ، أو أن لا يكون عنده ورد يذكر فيه اسم الله ، أو لا يتعوذ ، كل هذه الأمور تكون من الأسباب التي تؤدي إلى مس الجني للإنسي وتفرده به ، وإلى هذا يشير ابن القيم فيقول : " وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم ، وخراب قلوبهم وألسنتهم، من حقائق الذكر والتعويذات والتحصينات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح له معه ، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا " ) ( نقلاً عن كتاب " زاد المعاد " - 4 / 69 ) 0
4- تبرج المرأة وهي في أكمل زينتها : وقد أظهرت مفاتن جسمها ، مفتخرة بجمالها ، متعالية متكبرة ، من غير أن يجري على لسانها وقلبها ذكر الله وشكره على ما أعطاها من نعمه ، أو مستعيذة به سبحانه ، فإنها تكون عرضة للمس 0
5- لما كان على المسلم أن يتعرف على كتاب الله وأن يقرأ آياته وسوره ، فإن تخلى عن ذلك فإنه يكون عرضة للمس الشيطاني : وكذلك إذا كان غير مواظب على الصلاة الواجبة في أوقاتها ، فإن التارك لها معرض للمس الشيطاني 0
6- كشف العورة في البيت دون ذكر اسم الله سبحانه وتعالى وذلك في الأحوال التالية :
أ- أن تخفف المرأة ثيابها وتقف أمام المرآة في الحجرة وتسير ذهاباً وإياباً مستعرضة نفسها ومفاتنها معحبة بنفسها وقد يكون هناك من الجن من يراها ، فيعجب بها ويتعشقها وهو كثير 0
ب- نوم الرجل أو المرأة خاصة في آيام الصيف بثياب خفيفة وأبدان عارية من غير أن يمر ذكر الله قبل النوم على قلوبهم وألسنتهم وقد ورد في الحديث الشريف : " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه : بسم الله الذي لا إله إلا هو " 0
ج- دخول الخلاء للغسيل وللاستحمام دون ذكر الله تعالى قبل الدخول 000 والحديث الوارد في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال : " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " ( السلسلة الصحيحة 1070 ) 0
د- جماع الرجل أهله دون ذكر الله تعالى قبل الجماع ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن قدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً " ( صحيح الجامع 5241 ) 0
وهكذا فإن عدم ذكر الله تعالى في هذه الحالات وغيرها والبعد عنه تعالى ، تعرض الإنسان إلى عدوان الجن والشياطين عليه وتلبسهم له 0
لذلك نرى أن على الإنسان أن يجري دائماً ذكر الله على لسانه وقلبه في جميع الأماكن التي يرتادها ، وبخاصة الأماكن الخالية ، وهي الأماكن التي يعيش فيها الجن 0
وكذلك أن يلازم ذكر الله تعالى في جميع الأزمان ، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ) 0( مجلة الفرحة – العدد (42)– مارس سنة 2000 م– نقلاً عن كتاب "تلبس الجن بالإنس" ) 0
هذا ما تيسر لي إخوتي الأفاضل ، سائلاً المولى عز وجل أن يقينات شياطين الإنس والجن ، إنه سميع مجيب الدعاء ، بارك الله في الجميع ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية.